السبت، 12 أبريل 2014

دلالات الإتجاه عند العباده وعند التوجه برفع القلب إلى الله
هل هناك فوارق بين الإتجاه إلى الله ناظرين إلى الشرق؟ أو إلى الغرب؟  أو الشمال أو الجنوب ؟ أم نحو بقعة بعينها على سطح الأرض نفسها ؟!
بادئ ذى بدء ، فقد كان لى تأمل (إبان غضاضتى وصبوتى الأولى) قصدت به إدراك شيئا من مغزى الإتجاه إلى الشرق عند رفع القلب إلى الله  ؛
فلقد رأيت آنذاك ، أن فى النظر بإتجاه واحد لجميع المصلين على سطح الأرض ، يعنى أن نظرتهم تلتقى عند مالانهايه ، حيث الله اللانهائى ، وهو مايعنى أيضا أن نظرتهم لغير المحدود لايمكن أن تلتقى فى مجرد بقعه محدوده على سطح الأرض ههنا ، فنكون قد حددنا الله الغير محدود بحدود بقعة على سطح الأرض مهما يكون اتساعها فهى محدوده .

ولكنى اكتشفت (منذ وقت ليس ببعيد) أبعادا آخرى بالإضافه لما سبق ...
فلقد تنبهت أيضا إلى أن حركة دوران الأرض حول نفسها ؛ هى أيضا إلى اتجاه الشرق، ولذا فإن كل ما يصادفنا من أجرام سماويه ، يهل علينا أولا من جهة الشرق ، وبالطبع ليست حركة دوران الأرض حول نفسها هى الحركه الكونيه الوحيده ، فهناك حركات آخرى فى اتجاهات مخالفه ومتعدده ، ولكن المتحرك الأول بنا كمخلوقات على سطح الأرض ، هو تلك الحركه الدورانيه ، وبالطبع أيضا هناك حركه تقدميه للتقدم فى الدوران حول الشمس نفسها ، ولكنها لاتعنينى من حيث أننى غير منفصل عن الحركه الأولى للسطح الذى يحملنى ، وهى الأسبق فى تأثيرها على ، فلو كنت منفصل عن حركة دوران الأرض حول نفسها ، وتابعا لها فقط فى اتجاهها للتقدم فى الدوران حول الشمس ؛ لكنت أبقى حينئذ فى جانب واحد فإما يكون ليل دائم أو نهار دائم .

وهكذا يتبين لنا ؛ أننا فى بقائنا على هذه الأرض وكأننا نجلس فى قطار ،أو حافله ، أو طائرة ، أو حتى سياره متحركه ، فإن معظمنا لايرتاح إلا فى أن يكون مقعده فى اتجاه حركة الحافله أو القطار أو الطائره بحيث يكون وجهه متجها لما هو آت وليس العكس (بالطبع لايعنينى هنا الحالات الإستثنائيه ، انما أتكلم عن الحاله العامه للإرتياح الإنسانى بصفه عامه).........


وهكذا يتبين لنا أيضا و بمنتهى الجلاء ، سبب دعوة الله والمسيح لنا بالنظر نحو الشرق قائلا لنا:
"وإلى الشرق انظروا.. "

على أنه ليس اتجاها حرفيا متزمتا ، بل هو اتجاه روحى وقلبى ؛ بالإتجاه بقلوبنا وأرواحنا لما هو آت ، وليس بالبقاء آسرى ماقد مضى ..
إنه اتجاه نحو غايه ساميه سبق الله فأعدها لنا نحن محبوه وملتمسوه ، وطالبو وجهه ، ولم يعدها لإولئك الذين يطلبون الأمور الأرضيه ، ويتمسكون بما على الأرض من أمور جسديه، وهو مايعد جل همهم ، حتى أنهم يتوقعون أن ما هو آت لابد أن يكون مملوء بإفراط مذهل بالمتع الأرضيه الحسيه . 
وهم مغرر بهم فى خيالات مريضه عن أمور مبالغ فيها إلى حد السقم من حيث حيوانيتها وإمعانها فى الأرضيات مما هو إلى زوال ولكنهم لايفيقون منها ، حال كونهم غير مكتفين إطلاقا إزاء وجودهم على الأرض وبقاؤهم فى مؤخرة القطار ناظرين إلى ماقد عبر ويمضى فلا يعود .

ولأن كتابنا المقدس ملئ بالدعوه للإتجاه القلبى والروحى إلى ماهو آت وليس ماقد مضى 
، فأنا أسوق هنا مجرد أمثله لأولئك الجالسين فى مؤخرة القطار ؛
فليس لهم هنا تشبيه أبلغ من حالة امرأة لوط (تك 26:19) ، التى رجعت بقلبها فإشتهت ما فى سدوم وعموره ، غير متخلية فى قلبها عما يأمرها ملاك الله بتركه ورائهم .
بل إننى حتى فى قصة قايين وهابيل ، أرى أن قايين فى تقدمته وقربانه مازال يذكر فواكه وثمار الأرض ، لكون ذاكرته متعلقة بما سبق ونهى عنه أبويه ، وليس بالعلاج الذى قدمه لهما الله ، والذى يحمل الرجاء فى افتقاد قادم من الله للبشرية كلها .

وأيضا فى رجوع بنى اسرائيل بقلوبهم إلى مصر"بيت العبوديه" ، وعدم اتجاههم القلبى إلى ماهو آت حيث أرض الحريه التى وعدهم بها الله ، ففى هذا الرجوع تشبيه بليغ لأولئك الجالسين فى مؤخرة القطار ، ووجوههم نحو الأرض(والأرضيات) التى هم تاركوها ،شاؤوا أم  أبوا 

على أنه فى العهد الجديد هناك نجد منتهى الوضوح والجلاء لهذا الإتجاه القلبى ، فى قول المسيح : "ليس أحد يضع يده على المحراث ، وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله "(لو62:9) 
وكذلك قول بولس الرسول بالروح القدس فى رسالته لأهل فيلبى بالإصحاح الثالث العدد 13 و 14 : " أيها الأخوه انا لست أحسب نفسى إنى قد أدركت ، ولكنى أفعل شيئا واحدا اذ أنسى ماهو وراء وأمتد إلى ماهو قدام ، أسعى نحو الغرض لأجل مكافأة دعوة الله العليا فى المسيح يسوع " 

إذن يا أحبائى ليكن لنا هذا الإتجاه الروحى ، والقلبى فى عبادتنا وصلواتنا ، متذكرين كل حين أنه اتجاه قلبى وروحى ، وليس اتجاها حرفيا بعينه .